فصل: خلقه صلى الله عليه وسلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.غزوة تبوك:

وفي رجب من هذه السنة أعني سنة تسع، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتجهز لغزو الروم وأعلم الناس مقصدهم لبعد الطريق وقوة العدو، وكان قبل ذلك إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها، وكان الحر شديداً والبلاد مجدبة والناس في عسرة، ولذلك سمي ذلك الجيش جيش العسرة، وكانت الثمار قد طابت، فأحب الناس المقام في ثمارهم، فتجهزوا على كره، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالنفقة، فأنفق أبو بكر جميع ماله، وأنفق عثمان نفقة عظيمة، قيل كانت ثلاثمائة بعير طعاماً. وألف دينار، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يضر عثمان ما صنع بعد اليوم»، وتخلف عبد الله بن أبي المنافق، ومن تبعه من أهل النفاق، وتخلف ثلاثة من عين الأنصار، وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له، فلما سمع ذلك علي أخذ سلاحه، ولحق النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قال المنافقون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كذبوا، وإنما خلفتك لما ورائي فارجع فاخلفني في أهلي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي». وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثون ألفاً فكانت الخيل عشرة آلاف فرس، ولقوا في الطريق شدة عظيمة من العطش والحر، ولما وصلوا إلى الحجر وهي أرض ثمود، نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورود ذلك الماء، وأمرهم إن يريقوا ما استقوه من مائه، وأن يطعموا العجين الذي عجن بذلك الماء الإبل، ووصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك وأقام بها عشرين ليلة، وقدم عليه بها يوحنا صاحب أيلة فصالحه على الجزية، فبلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار، وصالح أهل أذرج على مائة دنيار في كل رجب، وأرسل خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، وكان نصرانياً من كندة، فأخذه خالد وقتل أخاه، وأخذ منه خالد قباء ديباج مخوصاً بالذهب، فأرسله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل المسلمون يتعجبون منه، وقدم خالد بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فاعتذر إليه الثلاثة الذي تخلفوا عنه، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامهم، وأمر باعتزالهم، فاعتزلهم الناس فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وبقوا كذلك خمسين ليلة، ثم أنزل اللّه تعالى توبتهم، فقال تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من اللّه إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم} [التوبة: 81] وكان قدوم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في رمضان، ولما دخلها قدم عليه وفد الطائف من ثقيف، ثم إنهم أسلموا، وكان فيما سألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم اللات التي كانوا يعبدونها، لا يهدمها إلى ثلاث سنين، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فغزلوا إلى شهر واحد فلم يجبهم، وسألوه أن يعفيهم من الصلاة فقال: «لا خير في دين لا صلاة فيه» فأجابوا وأسلموا، وأرسل معهم المغيرة بن شعبة، وأبا سفيان بن حرب، ليهدما اللات، فتقدم المغيرة فهدمها، وخرج نساء ثقيف حسراً يبكين عليها.
حج أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالناس:
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق في سنة تسع ليحج بالناس، ومعه عشرون بدنة لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ومعه ثلاثمائة رجل، فلما كان بذي الحُلَيْفَة، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم في إثره علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمره بقراءة آيات من أول سورة براءة على الناس، وأن ينادي أن لا يطوف بالبيت بعد السنة عريان، ولا يحج مشرك، فعاد أبو بكر وقال: يا رسول الله أنزل فيّ شيء، قال: «لا ولكن لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني ألا ترضى يا أبا بكر أنك كنت معي في الغار وصاحبي على الحوض؟» قال: إلى، فسار أبو بكر رضي الله عنه أميراً على الموسم، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يؤذن براءة يوم الأضحى، وأن لا يحج مشرك ولا يطوف عريان، من الأشراف للمسعودي. وفي ذي القعدة سنة تسع، كانت وفاة عبد الله بن أُبي بن أبي المنافق،
ثم دخلت سنة عشر ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وجاءته وفود العرب قاطبة، ودخل الناس في الدين أفواجاً كما قال اللّه: {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1]، وأسلم أهل اليمن وملوك حمير.
إرسال علي بن أبي طالب إلى اليمن:
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً كرم الله وجهه إلى اليمن، فسار إليها وقرأ كتاب رسول الله على أهل اليمن، فأسلمت همذان كلها في يوم واحد، وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام، وكتب بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسجد شكراً لله تعالى، ثم أمر علياً بأخذ صدقات نجران وجزيتهم، ففعل وعاد فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع.

.حجة الوداع:

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجاً لخمس بقين من ذي القعدة، وقد اختلف في حجه، هل كان قراناً أم تمتعاً أم إفراداً، والأظهر الذي اشتهر أنه كان قارناً، وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، ولقي علي بن أبي طالب محرماً، فقال: «حل كما حل أصحابك» فقال: إني أُهللت بما أُهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقي على إحرامه، ونحر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الهدي عنه، وعلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس مناسك الحج والسنن، ونزل قوله تعالى: {اليوم يئس الذي كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشوني اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: 3] فبكى أبو بكر رضي الله عنه لما سمعها، فكأنه استشعر أنه ليس بمعد الكمال إلا النقصان، وأنه قد نعيت إلى النبيَ صلى الله عليه وسلم نفسه، وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس خطبة، بين فيها الأحكام، منها: {يا أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر} فإن الزمان استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض، و{إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً} وتمم حجته وسميت حجة الوداع، لأنه لم يحج بعدها، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ وأقام بها حتى خرجت السنة.
ثم دخلت سنة إحدى عشَرة:

.مرضه صلى الله عليه وسلم ووفاته:

لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، أقام بالمدينة حتى خرجت سنة عشر، والمحرم من سنة إحدى عشرة، ومعظم صفر، وابتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه في أواخر صفر، قيل لليلتين بقيتا منه، وهو في بيت زينب بنت جحش، وكان يدور على نسائه، حتى اشتد مرضه وهو في بيت ميمونة بنت الحارث، فجمع نساءه واستأذنهن في أن يمرض في بيت إحداهن، فأذن له أن يمرض في بيت عائشة، فانتقل إليها، كان قد جهز جيشاً مع مولاه أسامة بن زيد، وأكد في مسيره في مرضه، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي صداع وأنا أقول وارأساه، فقال: «بل أنا والله يا عائشة أقول وارأساه» ثم قال: «ما ضرك لو متّ قبلي فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك» قالت: فقلت كأني بك والله لو فعلت ذلك ورجعت إلى بيتي وتعزيت ببعض. نسائك، فتبسم صلى الله عليه وسلم. وفي أثناء مرضه، وهو في بيت عائشة، خرج بين الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب، حتى جلس على المنبر، فحمد الله ثم قال: «أيّها الناس من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقدمني، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستفد منه، ومن أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يخشى الشحناء من قبلي فإنها ليست من شأني». ثم نزل وصلى الظهر ثم رجع إلى المنبر، فعاد إلى مقالته، فادعى عليه رجل ثلاثة دراهم فأعطاه عوضها، ثم قال: «ألا إن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة» ثم صلى على أصحاب أُحد واستغفر لهم ثم قال: «إنّ عبداً خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده»، فبكى أبو بكر ثم قال: فديناك بأنفسنا. ثم أوصى بالأنصار فقال: يا معشر المهاجرين أصبحتم تزيدون وأصبحت الأنصار لا تزيد، والأنصار عيبتي التي أويت إليها فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في أيام مرضه يصلي بالناس، وإنما انقطع ثلاثة أيام، فلما أذن بالصلاة أول ما انقطع فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» وتزايد به مرضه حتى توفي يوم الاثنين ضحوة النهار، وقيل نصف النهار، وقالت عائشة رضي الله عنها: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء، يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: «اللهم أعني على سكرات الموت». قالت: وثقل في حجري، فذهبت أنظر في وجهه وإذا بصره قد شخص وهو يقول: «بل الرفيق الأعلى». قالت: فلما قبض، وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي مع النساء، وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، فعلى هذه الرواية يكون يوم وفاته موافقاً ليوم مولده.
ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد أكثر العرب، إلا أهل المدينة ومكة والطائف فإنه لم يدخلها ردة، وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، فاستخفى عتاب خوفاً على نفسه، فارتجت مكة، وكاد أهلها يرتدون، فقام سهيل بن عمرو على باب الكعبة وصاح بقريش وغيرهم، فاجتمعوا إليه فقال: يا أهل مكة، كنتم آخر من أسلم، فلا تكونوا أول من ارتدّ، والله ليتمن الله هذا الأمر كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، فامتنع أهل مكة من الردة، وحكى القاضي شهاب الدين بن أبي الدم في تاريخه قال: فاقتحم جماعة على النبي صلى الله عليه وسلم ينظرون إليه وقالوا: كيف يموت وهو شهيد علينا. لا والله ما مات بل رفع كما رفع عيسى، ونادوا على الباب لا تدفنوه؛ فإن رسول الله لم يمت؛ فتربصوا به حتى خرج عمه العباس وقال: والله الذي لا إله إلاَ هو لقد ذاق رسول الله الموت. وقيل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء ثاني يوم موته، وقيل ليلة الأربعاء وهو الأصح، وقيل بقي ثلاثاً لم يدفن، وكان الذي تولى غسله علي بن أبي طالب والعباس والفضل وقثم ابنا العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، فكان العباس وابناه يقلبونه وأسامة بن زيد وشقران يصبان الماء وعلي يغسله وعليه قميصه وهو يقول بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، ولم ير منه ما يرى من ميت، وكفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب، ثوبين صحاريين وبرد حبرة درج فيها أدراجاً، وصلوا عليه ودفن تحت فراشه الذي مات عليه، وحفر له أبو طلحة الأنصاري ونزل في قبره علي بن أبي طالب والفضل وقثم أبناء العباس.

.عمره صلى الله عليه وسلم:

واختلف في مدة عمره، فالمشهور أنه ثلاث وستون سنة، وقيل خمس وستون سنة، وقيل ستون سنة، والمختار أنه بعث لأربعين سنة، وأقام بمكة يدعو إلى الإسلام ثلاث عشرة سنة وكسراً، وأقام بالمدينة بعد الهجرة قريب عشر سنين، فذلك ثلاث وستون سنة وكسور، وقد مضى ذكره وتحقيقه عند ذكر الهجرة.

.صفته صلى الله عليه وسلم:

وصفه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ولا بالقصير، ضخم الرأس، كثّ اللحية، شثن الكفين والقدمين، ضخم الكراديس، مشرباً وجهه حمرة، وقيل كان أدعج العين، سبط الشعر، سهل الخدين، كأن عنقه إبريق فضة، وقال أنس: لم يشنه الله بالشيب، وكان في مقدم لحيته عشرون شعرة بيضاء، وفي مفرق رأسه شعرات بيض، وروي أنه كان يخضب بالحناء والكتم، وكان بين كتفيه خاتم النبوة، وهو بضعة ناشزة حولها شعر مثل بيضة الحمامة تشبه جسده وقيل كان لونه أحمر، قال القاضي شهاب الدين بن أبي الدم في تاريخه المظفري وكان أبو رثمة طبيباً في الجاهلية فقال: يا رسول الله إني أداوي فدعني أطب ما بكتفك فقال: يداريها الذي خلقها.

.خلقه صلى الله عليه وسلم:

كان صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلاً وأفضلهم رأياً، يكثر الذكر ويقل اللغو دائم البشر، مطيل الصمت لين الجنب، سهل الخلق، وكان عنده القريب والبعيد، والقوي والضعيف، في الحق سواء، وكان يحب المساكين ولا يحقر فقيراً لفقره، ولا يهاب ملكاً لملكه، وكان يؤلف قلوب أهل الشرف، وكان يؤلف أصحابه ولا ينفرهم، ويصابر من جالسه ولا يحيد عنه، حتى يكون الرجل هو المنصرف، وما صافحه أحد فيترك يده حتى يكون ذلك الرجل هو الذي يترك يده، وكذلك من قاومه لحاجة، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى يكون الرجل هو المنصرف، وكان يتفقد أصحابه، يسأل الناس عما في الناس، وكان يحب العنز، ويجلس على الأرض، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويلبس المخصوف، والمرقوع، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، وكان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، وكان قوتهم التمر والماء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعصب على بطنه الحجر من الجوع.

.أولاده صلى الله عليه وسلم:

وكل أولاده عليه السلام من خديجة، إلا إبراهيم فإنه من ماريّة، وولد إبراهيم في سنة ثمان من الهجرة في ذي الحجة، وتوفي سنة عشر من الأشراف للمسعودي قال: عاش إبراهيم سنة وعشرة أشهر، وأولاده الذكور من خديجة القاسم وبه كان يكنى، والطيب والطاهر وعبد الله ماتوا صغاراً، والإناث أربع، فاطمة زوج علي رضي اللّه عنهما وزينب زوج أبي العاص، وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بالإسلام، ثم ردها إلى أبي العاص بالنكاح الأول لما أسلم، ورقية وأم كلثوم تزوج بهما عثمان واحدة بعد أخرى.

.زوجاته صلى الله عليه وسلم:

وتزوج صلى الله عليه وسلم خمس عشرة امرأة، دخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، وقيل أنه دخل بإحدى عشرة، ولم يدخل بأربع، وتوفي عن تسع غير مارية القبطية سريته، والتسع هن عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، سودة بنت زمعة، وزينب بنت جحش، وميمونة، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة، وأم سلمة رضي الله عنهن.

.كُتّابه صلى الله عليه وسلم:

وكان يكتب له عثمان بن عفان أحياناً، وعلي بن أبي طالب، وكتب له خالد بن سعيد بن العاص، وأبان بن سعيد، والعلا بن الحضرمي، وأول من كتب له أبي بن كعب، وكتب له زيد بن ثابت، وكتب له عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وارتد ثم أسلم بوم الفتح، وكتب له بعد الفتح معاوية بن أبي سفيان.

.سلاحه صلى الله عليه وسلم:

وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من السلاح سيفه المسمى ذا الفقار؛ غنمه يوم بدر، وكان لمنبه بن الحجاج السهمي، وقيل لغيره، وسمي ذا الفقار لحفر فيه، وغنم من بني قينقاع ثلاثة أسياف، وقدم معه إلى المدينة لما هاجر سفيان، شهد بأحدهما بدراً، وكان له أرماح ثلاثة وثلاثة قسي، ودرعان غنمهما من بني قينقاع، وكان له ترس فيه تمثال، فأصبح وقد أذهبه اللّه تعالى.

.عدد غزواته وسراياه صلى الله عليه وسلم:

قيل كانت غزواته تسع عشرة، وقيل ستاً وعشرين، وقيل سبعاً وعشرين غزوة، وآخر غزواته غزوة تبوك، ووقع القتال منها في تسع وهي بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف، وباقي الغزوات لم يجر فيها قتال، وأما السرايا والبعوث فقيل خمس وثلاثون وقيل ثمان وأربعون.

.أصحابه صلى الله عليه وسلم:

قد اختلف الناس فيمن يستحق أن يطلق عليه صحابي، فكان سعيد بن المسيب لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة وأكثر، وغزا معه، وقال بعضهم كل من أدرك الحلم وأسلم ورأى النبي صلى الله عليه وسلم، فهو صحابي، ولو أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة واحدة، وقال بعضهم لا يكون صحابياً إلا من تخصص به الرسول صلى الله عليه وسلم وتخصص هو بالرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يثق رسول الله صلى الله عليه وسلم بسريرته، ويلازم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، والأكثر على أن الصحابي: هو كل من أسلم ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه ولو أقل زمان، وأما عددهم على هذا القول الأخير، فقد روي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سار في عام فتح مكة في عشرة آلاف مسلم، وسار إلى حنين في اثني عشر ألفاً، وسار إلى حجة الوداع في أربعين ألفاً وأنهم كانوا عند وفاته صلى الله عليه وسلم مائة ألف، وأربعة وعشرين ألفاً.
وأما مراتبهم فالمهاجرون أفضل من الأنصار على الإجمال، وأما على التفضيل فسبْاق الأنصار أفضل من متأخري المهاجرين، وقد رتب أهل التواريخ والصحابة على طبقات، فالطبقة الأولى أول الناس إسلاماً كخديجة وعلي وزيد وأبي بكر الصديق رضي الله عنهم ومن تلاهم ولم يتأخر إلى دار الندوة. الطبقة الثانية أصحاب دار الندوة، وفيها أسلم عمر رضي الله عنه. الطبقة الثالثة المهاجرون إلى الحبشة، الرابعة أصحاب العقبة الأولى وهم سباق الأنصار، الخامسة أصحاب العقبة الثانية، السادسة أصحاب العقبة الثالثة وكانوا سبعين، السابعة المهاجرون الذين وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته وهو بقباء قبل بناء مسجده، الثامنة أهل بدر الكبرى، التاسعة الذين هاجروا بين بدر والحديبية، العاشرة أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا بالحديبية تحت الشجرة، الحادية عشرة الذين هاجروا بعد الحديبية وقبل الفتح، الثانية عشرة الذين أسلموا يوم الفتح، الثالثة عشرة صبيان أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه، ومن الصحابة أهل الصفة وكانوا أناساً فقراء لا منازل لهم ولا عشائر، ينامون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ويظلون فيه، وكان صفة المسجد مثواهم فنسبوا إليها، وكان إذا تعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو منهم طائفة يتعشون معه، ويفرق منهم طائفة على الصحابة ليعشوهم، وكان من مشاهيرهم أبو هريرة وواثلة بن الأسقع وأبو ذر رضي الله عنهم.